حبيبتي : ما زلت أذكرك ولن أنساكي
ــ كثيرا هي الأوقات التي تمر ويحمل عقلي فيها صوراً لحبيبة قلبي، صورتها لا تزال في خيالي معلقة،
ما زال ذهني شارداً ومتعلقُ بها، أراها في النوم واليقظة، أراها في الفضاء إذا نظرتُ بعيناي إلى السماء،
وأراها على موجات الماء إذا نظرت للبحر، أري قسمات وجهها على الرمال الناعمة،
أرها في رذاذ المطر وهوه يجري بين السهول والوديان، أرها في أطياف عقلي لو أغمضت عيناي،
ما زلت أعرف أنها سترجع لي، رغم أنها تركتني أقاسي هوان بعدها، ما زلت لا أقدر على نسيانها،
ولا نسيان نظراتها لي، كأنها شمس تأبى الغروب،
صحيح أني حلمت بها كثيرا قبل أن أراها، لكن عندما رأيتها لم أكن أتوقع أن تأسر قلبي إلى هذا الحد،
فلم أكن أعرف الحنان إلا على يديها، ولم أكن أعرف أنه لا حدود للعاطفة إلا بنظرتي في عينيها،
ولم أكن أعرف جانباً من الحب لم أكن تذوقته من قبل إلا عند رؤيتها كل يوم، إنها ملائكة في ثوب بشر،
هي حلمُ جميل بلا نوم ، نسيم في وقت الصباح، شعاع من النور في وقت الفجر، همسات شوق في أذن الليل،
ابتسامة في وجه المرح، إنها رحمة من عند الله يرحم بها من يشاء من عباده،
جمالها كجمال القمر، براءة صوتها كالماء البارد في وقت الظمأ، إنها كالفراشة في البستان،
ما زلتُ لا أتخيل الحياة بدونها ، كم هي اللحظات الجميلة التي مرت وكنا فيها سوياً،
أتذكر يوم كنت أداعبها وأضع أصبعي على شفتيها،كانت تحلو لي الحياة وتبتسم عند رؤية ابتسامتها،
أتذكر حضنها الدافئ الذي يجعلك لا تريد شيئا في الدنيا غير رضاها،
رضيت لها أن تحيا معي أحس بأنفاسها، وبعذوبة صوتها ، وبجمال وجهها، وبصفاء عيونها،
وبلمسات يدها على وجهي، أردت لها أن تحيا لكي أري ابتسامتها، وأسعد بتلبية جميع طلباتها،
أردت لها أن تحيا وأراها في كل يوم تقبلني كل صباح كباقي البشر،
ولكن رضي الله غير ذلك، فلقد رضي لها أفضل من ذلك،
رضي لها أن تكون أمن وآمان، رضي لها أن تكون رفيقاتها من الحور العين،
رضي لها أن تكون بإذنه من أهل الجنة والنعيم، تنعم بنعيمها، وتلعب بين أنهارها، وتسابق فراشاتها،
رضي لها أن تعيش بأرض عرضها كعرض السموات والأرض، رضي لها أن يكون طعامها من
معين لا ينضب، رضي لها أن يكون موتها رحمة لنفسها ورحمة لأهلها عند وفاتها،
رضي لها أن يكون لها مرضعة ترضعها في الجنة،
إنها حبيبة قلبي ابنتي " يــارا " كان أسمها كاللحن على أوتار قلبي، ومعناه الغزالة الصغيرة،
كانت قد أتمت لتوها شهرين إلا عشرة أيام، ملامحها كانت بدأت لتظهر إبداع من صورها في أحسن صورة،
ما زلت أذكر ذلك اليوم الذي توفاها الله فيه، ما زلت أذكر لون وجهها وقد تغير،
وكأن لسان حالها يقول آسفة أبي تركتك بلا استئذان، تركتك وحيداً وذهبتُ إلى مكان أفضل،
تركت لك جسدي الصغير وأخذت قلبك معي، تركتك تعاني ويعتصر فؤادك من شدة الألم،
وذهبت إلى مكان ليس فيه صخب ولا وصب، لا هم ولا تعب، آثرتُ اختيار ربي وتركت اختيارك،
أنعم بجوار ربي لا بجوارك، آسفة أبي لم يعد لي اختيار، ولا من كرة فأعود وأختار،
أعلم يقيناً بأنك تحبني ولكن حب ربي لي كان أعظم، فاثبت فلست الأول ولن تكون الأخير،
ولربما يأتي يوماً وتوفي أجرك كاملاً يوم النفير، ولربما تتمني أن يكون لك بمثلي لتبعد عن أبواب الجحيم،
وقد أكون لك باباً لتدخل منه إلى جنة النعيم،
فقلت لها حسبك حبيبتي لا تحملي همي فأنا أريد والله يفعل ما يريد،
ما الدنيا عندي إلا كظل شجرة سنتركها ونذهب وعما قريب سأقابلك وسنتعانق،
لن نفترق بعد هذا اليوم، بإذن الله وكلي أمل أني سألقاك في ظل عرش الرحمن ،
ولقاؤنا سيكون على أبواب الجنة بإذن الله،
وأسأل الله أن يكتبك شفيعاً لنا يوم القيامة، وألا يحرمنا أجرك، وألا يفتنا بعدك،
وأن يكتبنا من الصابرين المحتسبين،
ولي عندك رجاء : إذا كان يوم الدين يوم منكر ونكير فلا تنسيني وانتظريني، وابحثي عني في الزحام،
فهذا اليوم ربما سأشغل عنك وأنساك، وربما سأنسي أني كنت يوماً أباكي، ولربما قلت في نفسي أنا ثم إياك،
لكن لا تنسيني فليس عليك ملام، فأنت على الفطرة وأنتِ على دين الإسلام،
رجاءً خذي بيدي، واشفعي لي، وادعي لي الله أنا يلحقنا بك ونحن على دينه،
اللهم لك الحمد على اختيارك وعلى نعمائك وعلى ضرائك، لك الحمد قبل كل شيء وبعد كل شيء،
لك الحمد في الأولي والآخرة، نعم ربي أرضي بحكمك وأرضي بقضائك، أعلم أن الخير كله بيديك،
خلقتنا ورزقتنا وأنعمت علينا، ابتليتنا لتغفر لنا وتعلي منزلتنا، فلك الحمد حمدا كثيراً طيباً مباركاً فيه
ملء السموات والأرض وما بينهما.
هذه الكلمات كتبتها وفاءً وحباً وإهداءً إلي حبيبة قلبي ابنتي يـارا وهذه هي صورتها للذكري الطيبة
الرجاء الدعاء لجميع أموات المسلمين