4]
((( الشعر فى العصر الاموى)))
أغراضه واتجاهاته
لقد كان من أثر الحياة العامة ان اتجه الشعر في اتجاهات ثلاثة :
1- الشعر السياسي : وهو لون يختلط فيه المدح والفخر والهجاء والاقناع , وكان رجاله يدعون الى مذاهبهم السياسية واحزابهم , فالاخطل مثلا يدعو لبني امية والكميت بن زيد يدعو لبني هاشم وعبد الله بن قيس الرقيات يدعو الى الزبيريين وقطري بن الفجاءة يدعو الى الخوارج ...
2- شعر الهجاء وأقطابه جرير والفرزدق والاخطل وهؤلاء الشعراء الثلاثة هم اهم شعراء هذا العصر (هم المعروفون بشعراء النقائض) والنقائض معناها ان ينظم الشاعر قصيدة في الفخر او الهجاء على وزن وقافية فيرد عليه عليه شاعر اخر بقصيدة اخرى ينقض بها فخره او هجاءه بنفس الوزن والقافية
كلمة موجزة عن نشأة النقائض
حدث اول اشتباك في النقاتئض بين جرير وشاعر يقال له غسان السُّليطي .فلما انتصر عليه جرير انبرى له شاعر من قوم الفرزدق يقال له البعيث فانتصر لغسان وهجا جريرا
فصب عليه جرير صاعقة من الهجاء وتعرض في شعره لقبيلة الفرزدق ونساء مجاشع فذهبت النساء للفرزدق واستغثنه, فهب يناقض جريرا ويهجوه وظل الهجاء مستعيرا بينهما فانظم الاخطل التغلبي الى الفرزدق وفضله على جرير فما كان من جرير الى ان ينقض عليه ايضا وهجاه واكثر من تعييره بالكفر واكل لحم الخنزير لان الاخطل كان نصرانيا
وقد اوقع سوء الحظ شاعرا يقال له الراعي النميري في عداء جرير لانه فضل الفرزدق على جرير فهجاه جرير بقصيدة هدم فيها قبيلته مع انه من بيت عز وشرف ومنها قوله
إذا غضبت عليك بنو تميم == حسبت النس كلهم غضابا
فغض الطرف انك من نمير == فلا كعبا بلغت ولا كلابا
3- الاتجاه الثالث : شعر الغزل وشاع في الحجاز بسبب اللهو والترف وتفرع الغزل الى قسمين
1- الغزل العذري وهو غزل عفيف طاهر لا يهتم بجما المرأة بقدر ما يهتم بشفافية روحها وعفافها ومن رواده ( جميل بثينة , قيس بن الملوح , كثير عزة ...)
2- الغزل الماجن ( الصريح) زعيم هذا النوع من الشعر هو عمر بن ابي ربيعة وهناك الاحوص والعرجي وغيرما
الخصائص الفنية للشعر في العصر الاموي
ظل الشعر الاموي في خصائصه الفنية كانه امتداد للشعر الجاهلي في لفظه ومعناه وسير القصيدة ولكن امرا واحدا طرأ على الشعر العربي منذ ظهور الاسلام وظل حتى يومنا هذا وبدا واضحا في الشعر الاموي وهو تاثر الشعراء بالفاظ القران الكريم والمعاني الاسلامية
وهناك خاصية اخرى لالفاظ الشعر الديد وهي ميله للسهولة والرقة عموما اللم الا في شعر الرجز الذي يمتز بالخشونة وغريب الافاظ
وفيما عدا هاتين الخاصيتين فقد بقي الشعر في خصائصه كالشعر الجاهلي من حيث جزالة اللفظ وقوة التراكيب ونظام القصيدة وتفكك الروابط المعنوية
حال كل من الشعر والنثر في العصر الأموي
مرّ الشعراء بحالة من الركود في العصر الإسلامي، ولما قامت الدولة الأموية انطلق الشعر مزدهرًا مرة أخرى في كل المجالات كما كان في العصر الجاهلى بسبب تعدد الأحزاب السياسية وكثرة المفاخرة بين الشعراء ، بالإضافة إلى فساد الحكم وإطلاق حرية التعبير فازدهر شعر الغزل بنوعيه: العفيف والصريح، وظهر شعر النقائض على ألسنة الشعراء
تقدم النثر في العصر الإسلامي على الشعر لنزول القرآن نثراً وكذلك الحديث الشريف وقد استمر ازدهار النثر في العصر الأموى، وتعددت فنونه نظرًا لتعدد الأحزاب السياسية في هذا العصر وشدة الصراع بينها، وحاجة كل حزب إلى متحدثين بارعين في فن القول يؤيدون مبادئه ويهدمون مبادئ غيره
الأسباب التى أدت إلى ازدهار الشعر في العصر الأموى
( أ ) ظهور الأحزاب السياسية .
( ب ) عودة العصبية القبلية .
( ج ) التنافس بين الشعراء
( د ) حياة الترف وكثرة مجالس اللهو والغن
الفرزدق
حياته:
هو همام بن غالب، كنيته أبو فراس ولقبه الفرزدق، ولقب به، لغلظة في وجهه. ولد الشاعر الفرزدق في بيت يكتنفه الشرف والسيادة من كل جانب، فأبوه غالب أحد أجواد العرب.. ولد بالبصرة، ونشا في باديتها.. كان الفرزدق متقلبا في مزاجه وعلاقاته الاجتماعية، فقد يمدح الرجل اليوم ليهجوه في يوم آخر.
قيل إنه نظم الشعر صغيرًا.. دارت بين الفرزدق وجرير الشاعر الأموي أيضًا، حرب هجائية دامت نحو خمسين سنة، وكان لتلك الحرب الشعرية صدى واسع في البلاد، وضج بها"المربد" سوق البصرة، وانقسم الناس قسمين، كل قسم يؤيد هذا الشاعر أو ذاك.
توفي الفرزدق بالبصرة سنة 114ه وقد شارف على التسعين.
كان التكسب مرماه في أكثر الأحوال، فمدح ورثى وهجا، فها نحن نتوقف قليلا عند مديحه.
شعره في المديح
مدح الفرزدق خلفاء بني أمية على أنهم أولى الناس بتراث الخلافة، وأحق الناس بالملك، وهم كالقمر يهتدي به، وسيوفهم هي سيوف الله التي يضرب بها الأعداء، وإذا النصر حليفهم، لأن الله معهم، وإذا الهدى مشرق من وجوههم، منهم الهادون والمهديون.. وتذكر الكتب والمراجع، أن الخليفة "هشام بن عبد الملك" حج على عهد أبيه وطاف بالبيت، وحاول أن يصل إلى الحجر الأسود فلم يستطع لشدة الزحام، فنصب له كرسي وجلس عليه ينظر إلى الناس، وحوله جماعة من أهل الشام. وفيما هو كذلك أقبل"زين العابدين" فطاف بالبيت، ولما انتهى إلى الحجر انشقت له الصفوف ومكنته من استلامه، فقال رجل من الشام لهشام:
من هذا الذي هابه الناس هذه الهيبة؟
فقال هشام"
لا أعرفه، وخاف أن يذكر اسمه فيرغبهم فيه.
وكان الفرزدق حاضرًا فقال: أنا أعرفه.
فقال الشامي: ومن هو يا أبا فراس؟، فقال قصيدته الشهيرة في مدح زين العابدين، فغضب هشام وحبسه، فهجاه الفرزدق.
أنشد الشاعر الفرزدق قصيدة يمدح فيها"زين العابدين":
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته **** والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم **** هذا التقي النقي الطاهر العلم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله **** بجده أنبياء الله قد ختموا
ما قال لا قط إلا في تشهده **** لولا التشهد كانت لاءه نعم
إذا رأته قريش قال قائلها **** إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
فخر الفرزدق
الشاعر يمزج بين الفخر والهجاء، فالهجاء عنده موضوع في جو فسيح من الفخر والتبجح... أما موضوع فخره فهو في قومه ونفسه، وفخره بقومه اشد منه بنفسه، إنه أعز الناس بيتًا وأرفعهم شرفًا وأوسعهم خيرًا وكرمًا، وهم ذوو العقول التي توازي الجبال، والثبات الذي لا يزعزع..
ولقد برع الفرزدق براعة فائقة في الفخر، ذلك لأن شرف آبائه وأجداده قد مهد له سبيل القول بالفخر، وتطاول على جرير وتحداه أن يأتيه بمثل آبائه وقومه:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم **** إذا جمعتنا ياجرير المجامع
فيا عجبًا حتى كليب تسبني**** كأن أباها نهشل أو مجاشع
كانت غاية الفرزدق في هجره الاستعلاء على جرير، فكان فخره في الغالب ممتزجًا بهجاء جرير ورهطه..
وفي فخره بقومه يصفهم بالمكارم التي كان العرب يفاخرون بها، ككثرة العدد وحماية الجار والبأس في القتال، وشرف المنزلة، وقري الضيف، ونباهة الذكر، ورجاحة العقل. ثم يعدد آباءه ويذكر مآثر كل منهم.. حتى أن الفرزدق يستغل بعض الحوادث التي هجاه بها خصمه جرير، فيجيد الاعتذار لها ويحولها على فخر، فهو حين عجز عن قتل الأسير الرومي الذي دفع إليه قال:
ولا نقتل الأسرى ولكن نفكهم **** إذا أثقل الأعناق حمل المغارم
وهذه أبيات يفخر الفرزدق فيها بنفسه وبقومه، فيقول:
إن الذي سمك السماء بنى لنا **** بيتًا دعائمه أعز وأطول
أحلامنا تزن الجبال رزانة **** وتخالنا جنًا إذا ما نجهل
وهب القصائد لي النوابغ إذ مضوا**** وأبو يزيد، وذو القروح، وجرول
فالفرزدق يقول:
إن الله أعطى قومه عزًا وشرفًا، أكثر من جرير وقومه.. فعقولنا تساوي بوزنها وتفكيرها وزن الجبال، كما أنها توازنها ثباتًا ورسوخًا، على أننا في الحروب والدفاع عن كياننا نصبح محاربين أشداء قساة فيما إذا ما حملنا أحد على الغضب.
فكرة عن النقائض الشعرية
ذكرنا أن المعركة الشعرية نشبت بين الفرزدق وجرير ودامت أكثر من خمسين عامًا، فالنقائض قصائد امتزج فيها الهجاء والفخر، وكثرت فيها الإشارة إلى ماضي القبائل في الجاهلية وحاضرها في عهد بني أمية، يقول الشاعر قصيدته، فيرد عليه خصمه بقصيدة من وزنها وقافيتها ويتعقب أفكاره ومعانيه، فيردها عليه..
على أن فن النقائض نشأ أول ما نشأ في العصر الجاهلي وامتد حتى ازدهر في العصر الأموي الذي استيقظت فيه العصبية بعد أن أضعفها الإسلام، وانضمت إلى العوامل القبلية عوامل أخرى سياسية واجتماعية واقتصادية وشخصية.. فكانت نقائض هذا العصر تختلف عن نقائض العصر الجاهلي بطولها وإفحاشها واتساع الخيال فيها..
هذا ومن المعروف أن النقائض تقوم على الهجاء، وفن الهجاء بدوره قائم على أمور ثلاثة: الأول أن يذكر الشاعر معايب خصمه ومثالب قبيلته بنفسه وبقبيلته.. والثاني تناول الأغراض وقذف المحصنات والشتائم.. والثالث تصوير الخصم بصورة ساخرة تحمل القارىء أو السامع على الضحك..
نبذة عن الفرزدق
كان الفرزدق واسع الخيال، دقيق الملاحظة، جيد القصص، مما ساعده على أن يكون من ابرع الوصافين في العهد الأموي، أما موصوفاته فكثيرة، منها ما هو منتزع من البادية كالذئب، ومنها ما هو من حياة الحضر كالسفينة والجيش.. ويصطبغ وصف الفرزدق أحيانًا بصبغة القصص الذي يحسن الشاعر سرده، كما يمتاز بالتقرب من الحيوان المفترس والعطف عليه، ففي وصفه للذئب يظهر استعدادًا لأن يلبس ذلك الوحش من ثيابه وأن يقاسمه زاده. فلما دنا قلت ادن دونك إنني **** وإياك في زادي لمشتر كان فبت أسوي الزاد بيني وبينه **** على ضوء نار مرة ودخان فهذان البيتان من قصيدة يصف فيها ذئبًا أتاه ليلا وهو يشتوي شاة، فدعاه أن يشاركه الطعام المشوي اللذيذ، فهو وحيد وقد عانى من عقوق الأصدقاء وبعد الأحباب، فكأن الشاعر استأنس بمجيء الضيف الذئب، او أرجح أن الفرزدق قد تخيل هذا الضيف. وهو في قلب الصحراء يشعل ناره للطعام ففضل في قصيدته هذه القصصية أن يكون ضيفه حيوانًا، عسى أن يكون وفيًا أنيسًا مخلصًا أكثر من الإنسان الغادر.. فوصف الشاعر يتناول المحسوسات أكثر من المعنويات، كما يمتاز بالدقة وحسن التصوير، فضلا عن طابع شخصي مبتكر أو جده من خلال قصصه. الهجاء في شعر الفرزدق ]إن ميزة الهجاء عند الفرزدق هي الفخر أولا، فالشاعر في الهجاء يعتمد على الفخر والاستناد عليه، فبالهجاء ينقض الشاعر على خصمه فيوسعه شتمًا وذلا فيصوره حقيرًا، كما يصور قومه وأهله بأنهم يتصفون بأرذل الصفات وأقبح الطباع، فهم مثلا ضعفاء متخاذلون، بخلاء لا أصل لهم ولا فرع.. وبالمقابل فالشاعر هذا يفخر بقومه وبنفسه، كما رأينا في هجاء جرير، والذي هو فخر للفرزدق بآن واحد. وقال الفرزدق في الضيافة: ومستنبح والليل بيني وبينه **** يراعي بعينيه النجوم التواليا سرى إذ تفشى الليل تحمل صوته**** إلي الصبا قد ظل بالأمس طاويا حلفت لهم إن لم تجبه كلابنا **** لأستوقدن نارًا تجيب المناديا وقال يهجو" إبليس" وقد تاب في أواخر حياته:
أطعتك يا إبليس سبعين حجة **** فلما انتهى شيي وتم تمامي فررت إلى ربي وأيقنت أنني **** ملاق لأيام المنون حمامي لاشك في أننا نلمس من هذه الأبيات للفرزدق، توبته عن ماضيه البعيد وعن مساوئه وطيشه، فهنا هو قد بلغ السبعين من عمره، حيث النهاية في الدنيا أصبحت قريبة، ولا بد من لقاء الموت الذي هو غاية كل إنسان... فهذه الأبيات تدلنا على أن الشاعر قد صقلته الأيام وهذبته الحياة، فبدا شعره صادقًا عن نفسه الزاهدة، وتقواه العميقة.. وهكذا رأينا الفرزدق في شعره يلتزم بالديباجة المعروفة لديه، فشعره الغزلي أحيانا يخلو من هذه الديباجة، فيتجاوز قوانين النحو والبيان في كثير من الأحيان... ولكن شعر الفرزدق فضلا عن قيمته الأدبية، ذو قيمة تاريخية كبرى، لأنه يطلعنا على نواح كثيرة من حياته وحياة خصومه، وعلى أخبار العرب وأيامهم وعاداتهم، وأوضاع الدولة الأموية وتصرف عمالها وولاتها، وعلى الفتوحات والجيوش وغيرها من مجالس الشاعر أخبر أبو عبيدة قال: قدم الفرزدق المدينة في إمارة"أبان بن عثمان" قال: فإني والفرزدق وكثير عزة لجلوس في المسجد نتناشد الأشعار، إذ طلع علينا غلام، فقصد نحونا فلم يسلم وقال: أيكم الفرزدق؟ فقلت مخافة أن يكون من قريش: أهكذا تقول لسيد العرب وشاعرها؟ فقال: لو كان كذلك لم أقل هذا له. فقال له: من أنت؟ قال: رجل من الأنصار ثم من بني النجار، ثم أنا ابن أبي بكر بن حزم، بلغني أنك نزعم أنك أشعر العرب، وقد قال شاعرنا" حسان بن ثابت" شعرًا فأردت أن أعرضه عليك، وأؤجلك سنة، فإن قلت مثله فأنت أشعر العرب كما قيل، وإلا فأنت منتحل كذاب، ثم أنشده: ألم تسال الربع الجديد التكلما..... حتى بلغ إلى قوله: وأبقى لنا مر الحروب ورزؤها **** سيوفًا وأدراعًا وجمعًا عرمرما حتى آخر القصيدة، وقال له : قد أجلتك في جوابها حولا، ثم انصرف وانصرف الفرزدق مغضبًا يسحب رداءه، وما يدري أي طريق يسلك، حتى خرج من المسجد، فأقبل على " كثير" فقال: قاتل الله الأنصاري ما أفصح لهجته وأوضح حجته وأجود شعره، قال: فلم نزل في حديث الأنصاري بقية يومنا، ثم توجهت إلى منزلي، فأخذت أصعد وأصوب في كل فن من الشعر، فأرتج علي، فكأني لم اقل شعرًا قط!؟ حتى إذا نادى المنادي بالفجر وامتطيت ناقتي أقصد جبل المدينة وبغتة صحت صيحة مدوية، فجاش صدري كما يجيش المرجل، فما قمت حتى قلت /113/بيتًا من الشعر. فبينما هو ينشد إذ طلع الأنصاري وسلم علينا وقال له الفرزدق: عزفت بأعشاش وما كنت تعزف **** وأنكرت من حدراء ما كنت تعرف ولج بك الهجران حتى كأنما **** ترى الموت في البيت الذي كنت تألف حتى بلغ إلى القول: ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا **** وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا وانشدها الفرزدق حتى بلغ آخرها. فقام الأنصاري كئيبًا... قال محمد بن إبراهيم: فأقبلت عليه أكلمه أنا وكثير، فلما أكثرنا عليه. قال: اذهبوا! فقد وهبتكم لهذا القرشي. ومرة دخل الفرزدق المدينة هاربًا من زياد، وعليها" سعيد بن العاص" أمير فقال: إليك فررت منك ومن زياد **** ولم أحسب دمي لكما ضلالا أرقت فلم أنم ليلا طويلا **** أراقب هل أرى النسرين زالا ترى الغر الجحاجح من قريش**** إذا ما الأمر في الحدثان غالا قيامًا ينظرون إلى سعيد **** كأنهم يرون به هلالا فلما قال هذا البيت قال الحطيئة لسعيد: هذا والله الشعر. ثم قال: يا غلام، أدركت من قبلك، وسبقت من بعدك، ولئن طال عمرك لتبرزن. أسلوب الفرزدق لم يكن للإسلام والقرآن الكريم أثرهما العميق لا في حياة الفرزدق العملية ولا في شعره، كان في حياته ماجنًا لاهيًا، لاهم له إلا السعي وراء لذائذه، وكانت طبيعته بدوية خشنة جافية، ولم تكن له نفس جرير ولا عاطفته ولا رقة حسه، فكأنما خلصت نفسه لأثر البادية وحدها، فكان أسلوبه في شعره صدى لطبيعته، وانعكاسًا لها، فاستأثرت به الجزالة والقوة وغرابة الألفاظ، وخشونتها وبداوة الصور، وغلبت هذه الطوابع على شعره عامة حتى على الغزل الذي تلائمه الرقة والعذوبة. وحسبنا أن نقرأ أبيات الفرزدق التي أوردناها لنقف على خشونة ألفاظه وجزالة أسلوبه ومتانة شعره وبداوة صوره... على أن أسلوب الفرزدق اتصف بأنه كان صورة لأساليب الفصحاء من شعراء الجاهلية في فصاحته وجزالته وغرابة ألفاظه وسعة مفرداته حتى قالوا: لو لا شعر الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب. ورووا عن أبي عمرو بن العلاء قوله: لم أر بدويًا أقام في الحضر إلا فسد لسانه غير الفرزدق ورؤبة. ولم تكن سليقة الفرزدق الشعرية مطواعًا له، سريعة الاستجابة والانقياد كسليقتة جرير، بل كان يلقى عناء شديدًا في نظم شعره حتى رووا عنه قوله: أنا عند الناس أشعر الناس، وربما مرت علي ساعة ونزع ضرس أهون علي من أن أقول بيتًا واحدًا. وكان للفرزدق ميل إلى إطالة النظر في شعره، كما هو الأمر لدى الشاعر زهير بن أبي سلمى، إلا أن عنايته بشعره لم تحل دون الوقوع في التعقيد والخروج على قواعد النجاة في كثير من أشعاره، فإذا انتقده أرباب اللغة والنحو أجابهم: علي أن أقول وعليكم أن تحتجوا. على أنه من الإنصاف القول: إن الفرزدق لم يكن يعرف بسعة مادته اللغوية فحسب، بل عرف بسعة اطلاعه على أيام العرب وأخبارهم ووقائعها، حتى قالوا: لولا الفرزدق لضاع نصف أخبار الناس. وحسبنا أن نقرأ بعض نقائضه لنقف على معرفته الواسعة بأيام العرب ووقائعهم، حتى يكاد يكون شعره سجلا تاريخيًا لها. والفرزدق لئن فاتته رقة جرير وسلامة طبعه وعذوبة شعره، فقد بذ صاحبه بخصب مخيلته وقدرته على الابتكار والتوليد، ويظهر خصب خياله في افتنانه في هجاء جرير وإتيانه بالمعاني المبتكرة في ذلك، في حين نجد معاني جرير محدودة مكرورة، ولكن سهولة أسلوب جرير جعلت شعره أكثر سيرورة من شعر الفرزدق المعقد ، وظهر خصب مخيلة الفرزدق في أمر آخر، هو القصص الغزلي الذي جارى فيه قصص امرىء القيس وعمر بن أبي ربيعة. القيمة الفنية لشعر الفرزدق الفرزدق شاعر بدوي النزعة، ميال إلى الفخر والتبجح، ومن ثم كان أسلوبه بدويًا في نحت ألفاظه نحتًا، وكان شعره وقفًا على الخاصة، وإن لم يخل من الأبيات المأثورة.. وهو يشعر أنه لا يحن النسيب الرقيق، ولهذا نراه لا يلتزم الديباجة الغزلية في كثير من قصائده، بل يهجم على موضوعه باندفاع، وهو إلى ذلك يتجاوز قوانين النحو المشهورة، كما يتجاوز قوانين البيان.. وهذا وقد اتسم الشاعر بنفسية متناقضة نراها في نزعاته السياسية والمعنوية والأخلاقية، فهو متقلب في عاطفته وإخلاصه ومتلون في رغباته ومنافعه، لذلك لا نكاد نلمس صدق العاطفة إلا في مدح آل البيت، أما في سواهم فيعمد الشاعر إلى الغلو والمداهنة ليغطي ضعف العاطفة.
وهذا مثال من شعره قصيدة بعنوان (( رأيت سماء الله والأرض ألقتا؟))
رَأيْتُ سَمَاءَ الله وَالأرْضَ ألْقَتَا
بِأيْدِيهمَا لابْنِ المُلُوكِ القَماقِمِ
وَكُنْتَ لَنَا غَيْثَ السّمَاءِ الذي بهِ
حَيينا، وَأحْيا النّاسَ بَعدَ البَهائِمِ
وَما لَكَ ألاّ تَملأ الأرْضَ رَحْمَةً،
وَأنْتَ ابنُ مَرْوَانَ الهُمَامِ وَهاشِمِ
فَما قُمْتَ حتى هَمّ مَنْ كانَ مُسلماً
لِيَلْبسَ مُسْوَدّاً ثِيابَ الأعَاجِمِ
لَقَدْ ضَاقَ ذَرْعي بالحَياةِ وَقَطّعَتْ
حَوَامِلُهُ عضَّ الحَدِيدِ الأوَازِمِ
رَأيْتُ بَني مَرَوانَ إذْ شَمّرَتْ بِمْ
من الحَرْبِ حَدْبَاءُ القَرَا غَيرُ رائِمِ
لهُمْ حَجَرٌ للدِّينِ يَرْمُونَ مَن رَمُوا
بهِ، دَمغَتْ أيْدِيهِمْ كُلَّ ظَالِمِ
هِشَامٌ أمِينُ الله في الأرْضِ والّذِي
بهِ تَمْنَعُ الأيّامُ ذاتَ المَحارِمِ
بِهِ عَمَدُ الدّينِ استَقَلّتْ وَأثْبَتَتْ
على كلّ ذي طَوْدَينِ للدّينِ قائِمِ
وَسُلّتْ سيوفُ الحرْبِ وانشقَتِ العصَا
وَهَزّ القَنَا وُرْدُ الأسودِ القَشاعِمِ
وَقَدْ جَعَلَتْ للدّينِ في المَرْجِ بالقَنا
لِمَرْوَانَ أيّامٌ عِظَامُ المَلاحِمِ
وَما النّاسُ لَوْلا آلُ مَرْوَانَ مِنهُمُ
إمَامُ الهُدَى وَالضّارِبَاتُ الجَماجِمِ
ومَا بَينَ أيْدِي آلِ مَرْوَانَ بِالقَنَا
وَبَينَ المَوَالي نَاكِثاً مِنَ تَزَاحُمِ
رَأيْتُ بَني مَرْوَانَ جَلَّتْ سُيُوفُهُمْ
عَشاً كَانَ في الأَبْصَارِ تَحْتَ العَمَائِم
رَأيْتُ بَني مَرْوَانَ عَنْهُ تَوَارَثُوا
رَوَاسِيَ مُلْكٍ رَاسِيَاتِ الدّعَائِمِ
عَصَا الدّينِ والعُودَينِ وَالخاتمَ الذي
بهِ الله يُعطي مُلْكَهُ كُلَّ قَائِمِ
وَكُنتَ لأمْرِ المُسْلِمينَ وَدِينِهُمْ،
لَدُن حيثُ تمشِي عن حُجورِ الفَواطِمِ
يَقُولُ ذَوُو العِلْمِ الّذِينَ تَكَلّمُوا
بهِ عنْ رَسُولِ الله من كُلّ عالمِ
وعلَوْ أرْسِلَ الرّوحُ الأمينُ إلى امرِىءٍ
سَوى الأنْبياءِ المُصْطَفَينَ الأكارِمِ
إذاً لأتَتْ كَفَّيْ هِشامٍ رِسَالَةٌ
مِنَ الله فيهِا مُنزَلاتُ العَواصِمِ
ولَوْ كان حَيٌّ خالداً، أوْ مُمَلَّكٌ،
لَكَانَ هشامَ ابنَ المُلوكِ الخَضَارِمِ
إلَيْكَ تَعَرّقْنَا الذّرَى بِرِحَالِنَا،
وَأفْنَتْ مَنَاقِيهَا بُطُونُ المَنَاسِمِ
فأصْبَحنَ كالهِنديّ شَقّ جُفُونَهُ
دَوَالِقُ أعْنَاقِ السّيُوفِ الصّوَارِمِ
وَما تَرَكَ الصّوَّانُ والحَبسُ وَالسُّرَى
لهَا من نِعالِ الجلدِ غَيرَ الشّرَاذِمِ
لَهُنّ تَثَنٍّ في الأزِمّةِ والبُرَى،
إذا وَلَجَ اليَعْفُورُ حامي السّمائِمِ
تَرى العِيس يكرَهنَ الحصَى أنْ يَطأنَهُ
إذا الجَمرُ من حامٍ من الشمسِ جاحِمِ
يُرِدْنَ الّذِي لا تُبْتَغَى من ورَائِهِ،
ولا دونَهُ الحاجاتُ ذاتُ الصّرَائِمِ
وَلَيْسَ إلَيْهِ المُنْتَهَى في نَجاحِهَا
وفي طَرَفَيْهَا للقِلاصِ الرّوَاسِمِ
اخوانى واحواتى ارجو ان يكون الموضوع نال اعجاب حضراتكم وتقبلو تحياتى هشـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــامــــ [/
size]king dark ness