محمود عبد القادر الاداره
عدد المساهمات : 7217
نقاط : 95386
السٌّمعَة : 68
تاريخ التسجيل : 20/04/2009
الموقع : layaly2052717@yahoo
| موضوع: صفحه من التاريخ(الجهاد الليبي ضد الاستعمار الايطالي (3ثانوي) الإثنين ديسمبر 28, 2009 5:57 pm |
|
"أحمد آمين داغ "
مدخل: الشرق الأوسط؛ تلك الأرض التي حملت قيمتها من ثلاثة أديان انتشرت عليها كما أنها في الوقت نفسه المهد الحضاري لتاريخ الإنسانية. خضعت هذه المنطقة قديما للاحتلال الصليبي و للمحتلين المغول، و لم تسلم من المستعمرين الغربيين الذين وضعوها هم أيضا على قائمة حساباتهم في القرن العشرين. إذن فالاحتلال بالنسبة إلى الشرق الأوسط قدر سياسي أجبر عليه المنطقة. وهو حقيقة شكلت تاريخ المنطقة بأكملها بل والأهم من ذلك كله أنه، أي الاحتلال أصبح شكلاً أو نمطاً معيشياً بدأت الشعوب هناك تتعود عليه دون أن تتأثر به.
تشير موجات الاحتلال التي تعرضت لها أفغانستان والعراق و لبنان تباعاً وكذلك التهديدات الجديدة الموجهة إلى سوريا و إيران إلى أنّ الاحتلال قد أصبح بالفعل قدراً سياسياً محتوماً وحقيقة تشكل تاريخ المنطقة، بل والأهم من ذلك كله هو أنّ شعوب المنطقة نفسها بدأت تتعايش معه كأسلوب أو نمط حياتي جديد وإن لم تتأثر به.
إن القوى الخارجية تضع دائما في حساباتها الأهمية الإستراتيجية والاقتصادية التي تتمتع بها هذه المنطقة، أما الشرق الأوسط نفسه فدائماً ما ينال جزاء امتلاكه هذه المزايا و استخدامها. لقد تعرض الشرق الأوسط مهد الحضارات في الألف عام الأخيرة من تاريخه إلى الاحتلال من جانب ثلاث قوى مختلفة. فالاحتلال الصليبي جاء واستمر إلى ما يقرب من القرن تلاه المغول الذين مكثوا فترة أقل من الأول. أما الاحتلال الغربي فقد بدأ في منطقة الشرق الأوسط منذ عام 1830 و مازال مستمراً حتى يومنا هذا.
الاحتلال الأول
كانت أول معرفة لمنطقة الشرق الأوسط بسبب الأهمية الدينية التي اكتسبتها هذه المنطقة خلال العصور الماضية حيث كانت مهداً لثلاثة أديان مختلفة. وأول مثال يدل على هذا هو الحملات الصليبية التي جاءت إلى المنطقة بذرائع دينية. وجاءت الحملات الصليبية في القرن الحادي عشر ( 1096 ) تحت زعم تحرير قبر سيدنا عيسى عليه السلام من بين أيدي المسلمين. و لكن من يدقق في سير الأحداث وفي شكل الحملات نفسها يدرك أن دافعهم للمجيء إلى المنطقة لا يمت بصلة إلى سيدنا عيسى. وبدأت الحملات الصليبية مع نداء وجهه البابا "جريوريس السابع" الذي رأى في هزيمة الجيش البيزنطي في منطقة ملازكيرد عام 1071 خطرًا محدقاً بسبب استمرار تقدم المسلمين أكثر نحو الغرب، لذا عرفت هذه الحملات في التاريخ بأنها حركة جاءت من أجل السلب و النهب. ونجح الجيش الصليبي الذي أحرق كل مكان مر به في احتلال القدس عام 1099 بعد أن أحرق المدينة كلها و قتل عدد كبيرا من شعبها. وأقام الصليبيون مملكة لهم في القدس، وليس هذا فحسب، بل و أخذوا يتوسعون فيها حتى وصلوا إلى عكا وبيروت وصيدا. ومع هزيمة الصليبيين عام 1187 في موقعة حِطِّين على يد صلاح الدين الأيوبي قائد الدولة الأيوبية طويت صفحة من صفحات التاريخ المظلمة.
بعد ذلك حاول الصليبيون من خلال سبع حملات أخرى أرسلوا بها خلال 170 عاماً أن يحتلوا القدس إلا أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل أيضا.
صدمة الموجة الثانية
لم تنته موجات الاحتلال التي شهدتها المنطقة بنهاية الحروب الصليبية فسرعان ما تزلزلت شعوب المنطقة التي لم تكن قد احتوت آثار صدمة الصليبيين بعد تحت هجمات المغول الذين جاؤوا إلى المنطقة في القرن الثالث عشر. وبذلك تكون المنطقة قد دخلت فترة احتلال جديدة مع هجمات المغول البربرية تحت قيادة إمبراطورهم هولاكو عام 1250م. فقد بدأت هجمات المغول من الشرق متقدمة صوب الغرب واحتلت أثناء تقدمها هذا أراضي الشرق الأوسط كما سوّ�Zت بغداد بالأرض، بل وأخذت تُعمل القتل في الحكام و الشعوب معًاً. و لم يستطع المسلمون المشتتون أن يصمدوا أمام هذا المد المغولي. إلا أنه وعلى الرغم من ذلك الدّمار الهائل الذي تسبب فيه المغول فإن مدة بقائهم في المنطقة كانت أقصر من المدة التي مكث فيها الصليبيون من قبلهم، فقد انسحبوا من المنطقة عام 1260م بعد أن عجزوا عن الصمود أمام جيوش المماليك. وبذلك تكون قد توقفت عاصفة أخرى من عواصف الاحتلال.
فترة هدوء نسبية
في هذه الأثناء فرّ�Z عشرات من البكوات الأتراك من أمام هجمات المغول وتوجهوا جميعا للعيش في مناطق الأناضول المختلفة حيث أقاموا لهم إمارات محلية هناك؛ و قامت الدولة العثمانية بعد عام 1517 بضم الدول المحلية الموجودة في الشرق الأوسط إلى حكمها. وبفضل فترة السلام التي حققتها الدولة العثمانية في هذه البلاد عاشت المنطقة بأسرها مدة 500 عام ساد فيها الهدوء والاستقرار ووصلت الحضارة الإسلامية إلى أوج تقدمها في الشرق الأوسط بسبب الوضع الاقتصادي الجيد إضافة إلى قوة البلاد الإسلامية في هذه الفترة. وتعتبر هذه المرحلة التي لم تدخل فيها إلى المنطقة أية قوة احتلال فترة هدوء نسبية في تاريخ الشرق الأوسط.
التوازنات المتغيرة
إلا أنه ومع تغير ميزان القوى العالمية وضعف الدولة العثمانية في مقابل قوى الغرب المتنامية فقدت منطقة الشرق الأوسط حالة الهدوء والاستقرار التي كانت تعيشها. لذا بدأ الاحتلال في الدخول مرة أخرى إلى المنطقة في مطلع القرن التاسع عشر مستغلا حالة الضعف تلك ليستمر حتى يومنا الحاضر مكبداً شعوب المنطقة خسائر كبيرة.
احتل الفرنسيون مصر عام 1798 وإن لم تطل فترة بقائهم فيها إلا أنّ الأمر بدا و كأنه مقدمة لاحتلال آخر أكبر ستعيشه بعد قرن "يُقصد به الاحتلال الإنجليزي الذي جاء لمصر بعد قرن تقريبا من هذا التاريخ". وبدأت الدولة العثمانية بعد هذا التاريخ تعاني من الضعف الأمر الذي تزامن مع بدإ انتشار الموجات الاستعمارية التي بدأت تظهر في الولايات البعيدة على وجه الخصوص والتي يصعب على الدولة العثمانية في ذلك الوقت الدفاع عنها. فانطلقت تلك الموجات بكامل سرعتها لتدخل إلى الجزائر وليبيا عام 1830 ولتدخل إلى مصر وتونس أيضا عام 1881 و1882.
وقد ساعدت الحركات الانفصالية التي ظهرت في تلك الفترة أيضا على الإسراع من وتيرة هذا المد الاحتلالى حيث لا يوجد إمبراطوريات، وحاولت كل دولة منفصلة النهوض والارتقاء. فقد امتد التمرد والثورة التي قام بها الشّريف حسين أمير الحجاز ليؤثر على قضايا وأمور أتت بعده هو. وبينما العرب على تشتتهم وتشرذمهم هذا في منطقة الشرق الأوسط كانت القوى الاستعمارية قد دخلت إلى المنطقة بأكملها. وتم تقسيم أراضي المنطقة كلها هناك بين إنجلترا و فرنسا بمقتضى اتفاقية "سايكس بيكو" التي أبرمت بين الدولتين في عام 1916. فدخلت فرنسا بناء على ذلك إلى سوريا و لبنان أما إنجلترا فدخلت إلى فلسطين ومصر والعراق، في حين ظلت دول خليجية أخرى أمثال جنوب إيران والكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين وعمان تحت الحماية الإنجليزية واكتفت إيطاليا بليبيا فقط في شمال إفريقيا.
لم يستطع الشرق الأوسط الذي عاش فترة كبيرة من الانقسامات والتمزق تحت الاحتلال الذي استمر من 1920 و حتى 1945 أن ينجو بنفسه من القوى الاستعمارية الخارجية، فتم تقسيم هذه المنطقة إلى عشرين دولة مختلفة بعد أن كانت قبل مائة عام فقط عبارة عن قطعة واحدة. وتماشياً مع سياسة "فرّق ، مزق ، ت�Zسُدْ "التي اتبعتها القوى الاستعمارية تحوّل الشرق الأوسط ذو الماضي الحضاري العريق إلى منطقة تتكون من مجموعة من الدول المنهكة الضعيفة. ولم يبتسم الحظ أبدًا لهذه المنطقة اعتبارًا من ذلك التاريخ. وفي حين يفقد آلاف الأشخاص أرواحهم تحت الاحتلال نجده (أي الاحتلال ) يضع حجر أساس لإقامة نظام حكم لا يتوافق وطبيعة هذه المنطقة. بل إن الأكثر ألما من ذلك كله هو قيام دولة إسرائيل عام 1948 على أرض فلسطين المحتلة.
الاحتلال غير المباشر أثناء الحرب الباردة
بدأت المنطقة مرحلة جديدة بداية من عام 1945، فقد خرجت الدول المنتصرة في الحرب أمثال الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي بقوة ضاربة أهّ�Zلتها لأن تكون هي المخطط و الموجة للسياسة العالمية؛ و بدأت الدول الشرق أوسطية التي حصلت على استقلالها تنقسم إلى معسكرين أحدهما يتبع الولايات المتحدة الأمريكية والآخر يتبع الاتحاد السوفيتي. فتحولت بعض هذه الدول التي حصلت على استقلالها من الناحية الظاهرية فقط إلى مجرد تابع إلى للولايات المتحدة ( ! ) أما البعض الآخر فأصبح مواليا و تابعا للاتحاد السوفيتي. ولعل الفرق الوحيد بين الاحتلال في هذه المرحلة و الاحتلال في عام 1920 هو الاسم والأسلوب الذي تتبعه القوى المحتلة فقط. ففي حين كانت إنجلترا و فرنسا وهي القوة المحتلة في المرحلة السابقة تأتى إلى المنطقة بجيشها وتقوم بتعيين حكام مستعم�Zرين تابعين لها حتى يتسنى لها حكم المنطقة نجد أن روسيا أو الولايات المتحدة في المرحلة الجديدة لم تقدم على أيّ من هذه الخطوات طالما ليست هناك ضرورة لذلك، بل في المقابل تم الإبقاء على أناس يحكمون المنطقة بما يملونه هم من تعليمات. ولقد استمر هذا الاحتلال غير المباشر طيلة 40 عاماً حتى 1991 .
الاحتلال الموجود في الشرق الأوسط في الوقت الحالي
أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية مع انهيار الاتحاد السوفيتي وبالتالي خروجه من دائرة السياسة الدولية عن بداية نظام عالمي جديد تكون هي القطب الأوحد فيه. وحتى تثبت هذا الزعم جعلت من العراق التجربة الأولى لها في منطقة الشرق الأوسط. فاتخذت من احتلال صدام حسين للكويت ذريعة لها تضفي بها المشروعية على احتلالها للمنطقة. واضطرت أمريكا إلى الانسحاب في عام 1992 من المنطقة التي جاءت إليها مع نصف مليون جندي، إلا أنها مع ذلك قامت بفرض الحظر على مناطق شمال العراق وجنوبه التي تتمركز فيها القوات الموالية لصدام حسين، وهي بذلك بسلوكها هذا تكون قد نجحت في احتلال المنطقة وإن كان هذا الاحتلال غير مباشر.
وإن بدا هذا الاحتلال و كأنه احتلال محلي لدولة من الدول فهو مما لا يدع مجالا للشك أيضا بمثابة نقطة البداية التي تم تجهيز المناخ لها جيّدا تمهيدا للقيام بانتهاكات وخروقات جديدة ستقع في المستقبل.
لقد اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية من الأنظمة الفاسدة الضعيفة والحليفة لها مثل نظام صدام حسين الذي قام حكمه على الظلم الاجتماعي أداة لإثارة البلبلة وعدم الاستقرار، ومن ثم توفير الذريعة المناسبة للدول الغربية من أجل احتلال جديد.
لقد قام في الوقت الحاضر نظام عالمي جديد يحكم فيه القويّ و ليس صاحب الحق. ولعل المادة الرئيسية المستخدمة في إقامة هذا النظام هو التعمّد في ترك مفهوم "الإرهاب" غائما عائما بدون تعريف. ومن الطبيعي أن تحتمي القوى الغربية وراء هذا المفهوم بحيث لا تضطر إلى إيجاد مبررات "معقولة " لأي احتلال تقوم به في الشرق الأوسط.
ويبدو أن هذا الأسلوب الذي تطبقه هذه الدول سوف يقود إلى سلسلة جديدة من موجات الاحتلال وعدم الاستقرار والاضطراب، فتعمل الدول التي لا تقوم سياستها على الحق قدر اعتمادها على القوة مثل أمريكا و فرنسا و إنجلترا و روسيا على تحريك الدول الأخرى كيفما تشاء.
لقد تحولت المنطقة مع هذا الاحتلال الكيفي الذي ابتدأته أمريكا في كل من أفغانستان و العراق ومع الهجمات الإسرائيلية على لبنان إلى بحيرة من الدماء. بل والأكثر سوء من ذلك هو ظهور دول أخرى في مناطق مختلفة من العالم بدأت تسير على خُطا هاتين الدولتين الغاصبتين. فتحرك أثيوبيا لاحتلال الصومال دون أن تجد ما يعوقها، و كذلك اليابان التي تستعد هي الأخرى للإقدام على خطوة مماثلة من أجل مصالحها الإقليمية، كل ذلك يُشير إلى أنّ مفهوم الاحتلال الذي يتبناه الغرب قد بدا بالفعل يحوِّل عالمنا إلى شكل أكثر سوء. الموضوع الأصلي : صفحه من التاريخ(الجهاد الليبي ضد الاستعمار الايطالي (3ثانوي) المصدر : منتدى ميت عزون www.meetazoon.com | |
|